تقديم كتاب عقود المعاوضة بين المعايير الشرعيّة (أيوفي) والفقه المالكي للدكتور وائل بن الحسين الزريبي

تقديم كتاب عقود المعاوضة بين المعايير الشرعيّة (أيوفي) والفقه المالكي للدكتور وائل بن الحسين الزريبي

الحمد لله ذي العزّة والطَّوْلِ، رفعَ العمل الصّالحَ إليه، وهدى إلى الطّيب من القول، أحسن إلى الإنسان وأنعم، وعلّمه ما لم يكن يعلم، وخصّه بالعقل الحصيف، والبيان الفصيح، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد الهادي إلى الحقّ، والدّاعي إلى الجدال بالرّفق، الصّادع بما أمر به وأوحي إليه، المجتهد في تبليغ ما أنزل إليه، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه والتّابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد، فإنّ الشّريعة الإسلاميّة حدّدت معالم إنتاج الثّروة للأفراد ولمجموع الأمّة، واعتبر الشّيخ الإمام محمّد الطاهر بن عاشور(ت1393ه) أنّ الأصلين العظيمين من أصول الثّروة هما المال والعمل، قال في مقاصده: "كان ممّا اهتدى إليه أهل العقول إيجاد طرائق تتألّف فيها أموال أصحاب الأموال، وأعمال المقتدرين على العمل، ليحصل من مجموع ذلك إنتاج نافع للفريقين.وكان من حكمة التّشريع الإِسلاميّألّا يوصد في وجوه الفريقين سلوك الطّرق المثلى من تلك الطّرائق بوجه عادل، مع الغضَّ عمّا يتطرّق ذلك من مخالفة مّا للتّشريعات الّتي بُنيت عليها أحكامُ المعاملات الماليّة في المعاوضات. اهـ"

وقد عرّف الفقهاء المعاوضة بأنّها "أخذ شيء مقابل شيء أو إعطاؤه. وقسّموها إلى قسمين، واستمدّوا منها مصطلحين:

  • الاعتياض، وهو أخذ العوض؛
  • الاستعاضة، وهي طلب العوض.

والحكمة من عقود المعاوضة التّعاون لتعلّق حاجة الإنسان بما في يد صاحبه ولا يبذله له بغير عوض، ومراعاةُ حاجة النّاس أصل في شرع العقود. اهـ". ويجري الاعتياض في كلّ ما يملكه الإنسان من عين أو دين أو منفعة أو حقّ إذا كان ذلك موافقا للقواعد العامّة للشّرع، وبيّن الجمهور أنّ الاعتياض يتمّ بواسطة عقد بين الطّرفين [عقود المعاوضات] ويتمّ العقد في هذه العقود على ملك الرّقبة: البيع، أو المنفعة: الإجارة والجعالة وغير ذلك.

قال شهاب الدين القرافي(ت684هـ): "تصرّفات المكلّفين إمّا نقل أو إسقاط...وينقسم النّقل إلى ما هو بعوض في الأعيان كالبع والقرض، أو في المنافع كالإجارة ويندرج فيها المساقاة والقراض والمزارعة والجعالة. [وينقسم أيضا] إلى ما هو بغير عوض كالهدايا والوصايا والإبراء من الدّيون. اهـ" قلت: والمعاوضات قسمان:

  • معاوضات محضة؛
  • معاوضات غير محضة.

ولكلّ قسم شروطه، ومن بين الشّروط الّتي يجب أن تتوفّر في عقود المعاوضات المحضة:

  • أن يكون محلّ العقد ممّا يمكن تطبيق العقد عليه؛
  • أن يكون خاليا من الغرر والّربا.

ومن بين شروط المعاوضات غير المحضة أنّه يتسامح فيما لا يتسامح في غيرها، مثل هبة الثّواب الّتي تجوز مع جهل عوضها وجهل أجله.

لقد تولى الباحث الدكتور تنزيل عقود المعاوضة عند المالكية على المعايير الشّرعيّة الّتي تتولّى إصدارها "هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة ''AAOIFI''، وهي هيئة تأسّست في شهر صفر الخير سنة 1410هـ، وتهدف إلى: "تطوير فكر المحاسبة والمراجعة للمؤسّسات الماليّة الإسلاميّة، ونشر ذلك الفكر وتطبيقاته عن طريق التّدريب، وعقد النّدوات وإصدار النّشرات الدّوريّة، وإعداد الأبحاث وغير ذلك من الوسائل، وإعداد وإصدار وتفسير ومراجعة وتعديل معايير المحاسبة والمراجعة لتلك المؤسّسات، وذلك بما يتّفق مع أحكام ومبادئ الشّريعة الإسلاميّة الّتي هي التّنظيم الشّامل لجميع مناحي الحياة، وبما يلائم البيئة الّتي تنشأ فيها تلك المؤسّسات، وينمّي ثقة مستخدمي القوائم الماليّة بالمعلومات الّتي تصدر عنها وتشجّعهم على الاستثمار والإبداع لديها، والاستفادة من خدماتها."

لقد تجشّم الدكتور وائل الزريبي الخوض في تقييم فرص نجاح عقود المعاوضة عند المالكية ومقارنتها بتقنينها في المعايير الشّرعيّة، ووزّع عمله على بابين، فتناول في الباب الأوّل الموسوم بـ"المعاوضة على الأعيان" ثلاثة فصول، تطرّق فيها إلى الصّرف -المتاجرة في العملات- ثمّ عقدي المرابحة والسّلم بنوعيه، السّلم العادي والسّلم الموازي.

ثمّ اهتدى في الباب الثّاني الموسوم بـ"المعاوضة على المنافع" إلى ثلاثة فصول أيضا، قرأ فيها فقها ومعيارا، المضاربة أو القراض، ثمّ الإجارة بأنواعها، الإجارة التّقليديّة، والإجارة التّشغيليّة، والإجارة المنتهية بالتّمليك.

وعوّل في رسالته على سبعين مرجعا ومصدرا وموقعا، ولم يكن حاطب ليل، بل كان ناقدا ومرجّحا ومنافحا على مذهبه المالكيّ. وهذا أوّل عمل يتقدّم به باحث زيتونيّ يتكفّل بدراسة نماذج من المعايير الشّرعيّة العالميّة ويمحّص النّظر تقييما وتقويما بناء على مقتضى المذهب المالكي، مذهب المدينة المنوّرة ومذهب المدرسة الزّيتونيّة، وتمكّن بعد دراسة موضوعيّة جادّة من إيجاد بعض الثّغرات في المعايير، "وكلّكم رادّ ومردود عليه إلّا صاحب هذا القبر" مثلما قال الإمام مالك(179هـ)، رضي الله عنه لمّا وقف أما قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

   تقديم أ.د. محمد بوزغيبة :

أستاذ تعليم عالي بجامعة الزيتونة وخبير بالمجمع الفقهي الدولي  

كل التعليقات

اترك تعليقا

التوصيل مؤمن

التوصيل مؤمن مع شركة أرامكس

الإرجاع المجاني

الإرجاع مجاني في حالة خلل بالكتاب في غضون 30 يوم

التسليم داخل تونس

مواعيد التسليم : من 24 إلى 48 ساعة

التسليم خارج تونس

مواعيد التسليم : أسبوع كأقصى تقدير