الدولة والجباية والمجتمع: اللزم والمجال الحضري بإيالة تونس 1705 إلى 1856

يتناول هذا العمل المعمق والذي غاص في أرشيفات «البايليك» الإدارية الجبائية، الحصول على الموارد المالية للدولة باعتماد مقاربة تبحث في طبيعة الدولة التونسية الحديثة، وكيف تطورت وتمكنت من إرساء قواعد وآليات الهيمنة على المجال.

هذه الدولة لم تكن ريعية ولا خراجية ولا عسكرية، بل كانت مزيجا من كل هذا تراوحت فيها العتاقة وتصارعت مع التحديث خلال القرنين الثامن والتاسع عشر وخاصة منذ الاستقرار السياسي في عهد علي باي (1759-1782) وفي عهد ابنه حمودة باشا (1782-1814) فصارت أخلاطا من كل هذه الصفات، التي أطلق الدارسون والمؤرخون والاقتصاديون عليها دولة إتاوات État tributaire بالتأكيد.

كان العمل متكاملا متناغما في إطار فهم علاقة الدولة بالتشكيلات الاجتماعية من خلال خدمة المخزن وجمع الضرائب والأتاوات، فامتلأت خزائن البايليك من لزمات المراسي والغابات والأرياف، لكن بشكل خاص من لزمات المدينة من صرافة العملة إلى المصوغ مرورا بالحرير والمْلف والجلد والقزازة والجبايب والصوف وخيط الفضة والحلفاء وجلد الذئب والشواشي والفول والخشاخش والفنادق والنشاف والقرنيط والحوت والكوش وأطباق الخبز والبشّماط والدخان والصابون والطبالة والأفراح والعلامات والمواشط والزندالة... وغيرها.

لا شيء يفلت من ضريبة اللزمة ومن رقابة اللزام. اللزام وسيط وتاجر رابح، لكنه بالأساس عون «مكس ومكوس» وبذلك نجحت الدولة لا فقط في اللزم بل في «استزلام» شريحة من العائلات التي تمرست بمهنة «الوساطة في المكوس والضرائب» عبر نظام «الوفقة» أو «الاتفاق» التي تمثلت في «المشارطة المالية» أي عرض الوظائف للبيع في شكل لزم. ومن اللزامة انبثقت شريحة من وكلاء الدولة صار أغلبها من أهل المال والحظوة الاجتماعية. وعبر اللزم أطرت الدولة وظائف المدينة وتحكمت في المجال.

ويمثل هذا البحث رسالة موثقة ومضمونة لكل من يخلط بين الدولة والحاكمية في تونس. فالدولة مؤسسة دائمة ثابتة متطورة تتميز بالعلوية واحتكار العنف ومركزية التأطير الضريبي وجذور ذلك ضاربة في التاريخ... لمن يحسن قراءته.