تقديم خمسينيّة مجلة الإجراءات الجزائيّة

تقديم خمسينيّة مجلة الإجراءات الجزائيّة

تعتبر‭ ‬سنة‭ ‬1968‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭ ‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬إذ‭ ‬تمّ‭ ‬بتاريخ‭ ‬24‭ ‬جويلية‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السّنة‭ ‬إلغاء‭ ‬الأمر‭ ‬المؤرّخ‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬1921‭ ‬المتعلّق‭ ‬بإصدار‭ ‬‮«‬قانون‭ ‬المرافعات‭ ‬الجنائي‮»‬‭ ‬والنّصوص‭ ‬المنقّحة‭ ‬والمتمّمة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتعويضه‭ ‬بمجلّة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬مثّل‭ ‬هذا‭ ‬التمشّي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬فرصة‭ ‬متميّزة‭ ‬لتحديث‭ ‬هذه‭ ‬المادّة‭ ‬بجعلها‭ ‬تتناغم‭ ‬والتطوّرات‭ ‬الّتي‭ ‬عرفها‭ ‬القانون‭ ‬المقارن‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬النصف‭ ‬الثّاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬ ولمّا‭ ‬كانت‭ ‬عجلة‭ ‬التطوّر‭ ‬في‭ ‬حركيّة‭ ‬مستمرّة،‭ ‬فإنّ‭ ‬هذه‭ ‬المجلّة‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬تأمّل‭ ‬تذكّر‭ ‬بركائزها‭ ‬وتتمعّن‭ ‬في‭ ‬عرضها‭ ‬النصّي‭ ‬مع‭ ‬استشراف‭ ‬الحلول‭ ‬المستقبليّة‭ ‬الّتي‭ ‬ستمكّن‭ ‬من‭ ‬تلافي‭ ‬نقائصها‭ ‬وتجعلها‭ ‬تتجاوب‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الأفكار‭ ‬الليبيراليّة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تشقّ‭ ‬هذه‭ ‬المّادة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬الأجنبيّة‭ ‬السّاعية‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الضّمانات‭ ‬الأساسيّة‭ ‬للمحاكمة‭ ‬العادلة‭.‬ وقد‭ ‬شكلّت‭ ‬الذكرى‭ ‬الخمسون‭ ‬لإصدار‭ ‬هذه‭ ‬المجلّة‭ ‬محطّة‭ ‬فريدة‭ ‬لتجسيد‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭. ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬السّياق‭ ‬نظّمت‭ ‬كليّة‭ ‬الحقوق‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسيّة‭ ‬بتونس‭ ‬أيّام‭ ‬10،‭ ‬11،‭ ‬12‭ ‬و13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2018‭ ‬ملتقى‭ ‬علمي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬خمسينيةّ‭ ‬مجلّة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‮»‬‭ ‬شارك‭ ‬فيه‭ ‬ثلّة‭ ‬من‭ ‬الحقوقييّن‭ ‬بمختلف‭ ‬أطيافهم‭: ‬أكاديميّون‭ ‬وقضاة‭ ‬ومحامون‭.‬ وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬التّظاهرة‭ ‬العلميّة‭ ‬تتنزّل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الملتقيات‭ ‬نظّمتها‭ ‬الكليّة‭ ‬في‭ ‬السّنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬سعيا‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬التّقنينات‭ ‬التونسيّة‭ ‬وتسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬على‭ ‬التّشاريع‭ ‬المحوريّة‭ ‬في‭ ‬النّظام‭ ‬القانوني‭ ‬التّونسي‭.‬ وقد‭ ‬حظيت‭ ‬المادّة‭ ‬الجزائيّة‭ ‬باهتمام‭ ‬خاصّ‭ ‬بدءً‭ ‬بإحياء‭ ‬مائويّة‭ ‬المجلّة‭ ‬الجزائيّ‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬الاحتفال‭ ‬بخمسينيّة‭ ‬مجلّة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة،‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬وجهان‭ ‬متكاملان‭ ‬متلازمان‭. ‬فمجموعة‭ ‬الحلول‭ ‬المدوّنة‭ ‬في‭ ‬مجلّة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سوى‭ ‬‮«‬الوسيلة‭ ‬الضروريّة‭ ‬لتفعيل‭ ‬القانون‭ ‬الجزائي‭ ‬وتحويله‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬التّجريد‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬التطّبيق‭ ‬الفعلي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭ ‬يؤمّن‭ ‬الفعاليّة‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الجزائي‭ ‬ويضمن‭ ‬بلوغ‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬العقاب‮»‬‭. ‬فالمجلّتان،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬الذّكر،‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة‭ ‬شعارها‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬المتقاضين‭ ‬وضمان‭ ‬حرّيتهم‭ ‬في‭ ‬المادّة‭ ‬الجزائيّة‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المصلحة‭ ‬العامّة‭ ‬وحقوق‭ ‬المجموعة،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬‭ ‬ ولعلّ‭ ‬أهميّة‭ ‬هاتين‭ ‬القيمتين‭ ‬تفسّر‭ ‬حضورهما‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المداخلات‭ ‬والتّدخلات‭ ‬التي‭ ‬ضمّها‭ ‬هذا‭ ‬المؤلّف‭ ‬بشكل‭ ‬جعل‭ ‬منهما‭ ‬الخيط‭ ‬الموجّه‭ ‬لهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يعدّ‭ ‬إسهاما‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬مادّة‭ ‬تستعّد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬نظر‭ ‬شاملة‭ ‬ذلك‭ ‬أنّه‭ ‬تمّ‭ ‬بموجب‭ ‬المقرّر‭ ‬الصّادر‭ ‬عن‭ ‬السيّد‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعدالة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بتاريخ‭ ‬16‭ ‬جوان‭ ‬2014‭ ‬تحت‭ ‬عدد‭ ‬214-10-1637‭ ‬إحداث‭ ‬لجنة‭ ‬مكلّفة‭ ‬بمراجعة‭ ‬مجلّة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭ ‬أنهت‭ ‬عملها‭ ‬يوم‭ ‬16‭ ‬سبتمبر‭ ‬2019‭ ‬بصياغة‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬يتعلّق‭ ‬بمراجعة‭ ‬هذه‭ ‬المجلّة‭. ‬ وفي‭ ‬الختام،‭ ‬فإنّه‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬إلّا‭ ‬أن‭ ‬نعرب‭ ‬على‭ ‬خالص‭ ‬امتناننا‭ ‬لجميع‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملتقى‭ ‬مع‭ ‬شكر‭ ‬خاصّ‭ ‬للمنظّمين‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الأستاذ‭ ‬البشير‭ ‬المنوبي‭ ‬الفرشيشي‭ ‬والأستاذة‭ ‬رشيدة‭ ‬الجلاصي‭ ‬اللّذان‭ ‬وفِّقا‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬جمهور‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬الحقوقيّين‭ ‬طيلة‭ ‬أيّام‭ ‬الملتقي‭ ‬بل‭ ‬توّجَا‭ ‬هذه‭ ‬التّظاهرة‭ ‬بجمع‭ ‬مختلف‭ ‬المداخلات‭ ‬في‭ ‬مؤلّف‭ ‬سيكون‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬مرجعا‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مادة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الجزائيّة‭.‬

تقديم سامي‭ ‬البسطانجي :

أستاذ‭ ‬تعليم‭ ‬عال‭ ‬بجامعة‭ ‬تونس‭ ‬المنار عميد‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسيّة‭ ‬بتونس

كل التعليقات

اترك تعليقا

التوصيل مؤمن

التوصيل مؤمن مع شركة أرامكس

الإرجاع المجاني

الإرجاع مجاني في حالة خلل بالكتاب في غضون 30 يوم

التسليم داخل تونس

مواعيد التسليم : من 24 إلى 48 ساعة

التسليم خارج تونس

مواعيد التسليم : أسبوع كأقصى تقدير