القيان والأدب في العصر العبّاسيّ الأوّل

‭ ‬التقيت‭ ‬ذات‭ ‬سنة‭ ‬بكتاب‭ ‬أبي‭ ‬الفرج‭ ‬الأصفهانيّ،‭ ‬‮«‬ريّ‭ ‬الظّما‭ ‬فيمن‭ ‬قال‭ ‬الشّعر‭ ‬من‭ ‬الإما‮»‬،‭ ‬وحسنت‭ ‬معاشرتي‭ ‬له‭. ‬وأورثني‭ ‬حبّ‭ ‬‮«‬القيان‮»‬،‭ ‬يأسر‭ ‬منّي‭ ‬القلب‭ ‬والفكر،‭ ‬ويطوّف‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬عوالمهنّ‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬أخبارهنّ‭ ‬وقصصهنّ‭ ‬وأشعارهنّ‭. ‬وكلّما‭ ‬ازددت‭ ‬في‭ ‬دنياهنّ‭ ‬توغّلا‭ ‬ازددت‭ ‬شغفا‭. ‬وقيّدني‭ ‬الشّغف‭ ‬فتقيدّت‭... ‬ونازعنني‭ ‬في‭ ‬الوصل‭ ‬وتأبّين‭ ‬عليّ،‭ ‬يطلبنّ‭ ‬على‭ ‬الحبّ‭ ‬دليلا،‭ ‬وعلى‭ ‬الصّدق‭ ‬فيه‭ ‬برهانا‭ ‬فكنت‭ ‬على‭ ‬وفاء‭. ‬أرى‭ ‬أنّ‭ ‬الدّليل‭ ‬موقف‭ ‬والبرهان‭ ‬عمل‭... ‬عمل‭ ‬به‭ ‬ينكشف‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬كون‭ ‬المرأة‭ ‬الإبداعيّ‭ ‬في‭ ‬أدبنا‭ ‬القديم‭ -‬في‭ ‬العصر‭ ‬العبّاسيّ‭ ‬الأوّل‭ - ‬وهو‭ ‬عصر‭ ‬اختفت‭ ‬فيه‭ ‬الحرائر‭ ‬أو‭ ‬كدن‭ ‬عن‭ ‬مسرح‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعيّة‭ ‬والأدبيّة،‭ ‬ولم‭ ‬تثبت‭ ‬غير‭ ‬الأمة‭ ‬المملوكة‭ ‬والجارية‭ ‬المغنيّة‭... ‬وذهب‭ ‬الزّمن‭ ‬بالقيد،‭ ‬وبقيت‭ ‬المرأة‭ ‬يشهد‭ ‬فنّها‭ ‬وأشعارها‭ ‬على‭ ‬وجود،‭ ‬مازال‭ ‬النّقد‭ ‬العربيّ‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يلقي‭ ‬عليه‭ ‬غلائل‭ ‬سوداء،‭ ‬ويظلّه‭ ‬بظلال‭ ‬العتمة‭. ‬فما‭ ‬بقي‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬النّساء‭ ‬بصفة‭ ‬عامّة‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬على‭ ‬قلّتها‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عليه‭ ‬فصلا‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬كتاب،‭ ‬أو‭ ‬بابا‭ ‬من‭ ‬أبواب‭ ‬دراسة،‭ ‬أو‭ ‬مبحثا‭ ‬صغيرا‭ ‬جزئيّا‭ ‬ضمن‭ ‬بحث‭ ‬أدبيّ،‭ ‬أو‭ ‬اتّجاه‭ ‬أدبيّ‭ ‬ضمن‭ ‬اتّجاهات‭ ‬متنوّعة‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬من‭ ‬عصور‭ ‬أدبنا‭ ‬القديم‭. ‬أو‭ ‬مجرّد‭ ‬محاولة‭ ‬لجمع‭ ‬كمّ‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشّعر‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تاريخيّة‭ ‬بعينها‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يجاوز‭ ‬التّأريخ‭ ‬والتّرجمة‭ ‬والوصف‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬العلميّ‭ ‬الدّقيق‭ ‬والبحث‭ ‬الأدبيّ‭ ‬المختصّ‭ ‬المستفيض‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬النّساء‭ ‬مطلقا‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بشعر‭ ‬صنف‭ ‬مخصوص‭ ‬منهنّ‭: ‬القيان،‭ ‬رغم‭ ‬أنّ‭ ‬التّاريخ‭ -‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحله‭- ‬اِحتفى‭ ‬أيّما‭ ‬احتفاء‭ ‬بذكرهنّ‭ ‬وتتبّع‭ ‬أخبارهنّ‭ ‬وإيراد‭ ‬نتف‭ ‬تطول‭ ‬أو‭ ‬تقصر‭ ‬من‭ ‬أقوالهنّ‭ ‬شعرا‭ ‬أو‭ ‬نثرا‭.‬