محكمة العدل الدولية وشرعية قرارات الهياكل الدولية

يسعدني، بل يشرفني، أن أقدم للكتاب الموسوم «محكمة العدل الدولية وشرعية قرارات الهياكل الدولية» لمؤلفه الأستاذ الدكتور أحمد بوعون. وهو كتاب، من حيث معناه ومبناه، وموضوعه ومضمونه، فريد في بابه، لمن تمسك بأسبابه. والكتاب قسمه مؤلفه تقسيما منطقيا. إذ بعد مقدمة عامة تشكل مدخلاً ضروريا للدراسة، باعتباره من «لزوم ما يلزم» يقسم الأستاذ الدكتور بوعون كتابه إلى قسمين أساسيين، حيث خصص الجزء الأول لموضوع «تبرير المحكمة لشرعية القرارات بتوسيع دائرة اختصاص الهياكل الدولية» وقد أشار المؤلف إلى المبررين الأساسيين اللذين يمكن استنباطهما من قضاء محكمة لاهاي وهما: التوسع في تفسير مبدأ تخصص المنظمات الدولية بأعتباره المهيمن على اختصاصات تلك الكائنات القانونية والذي يميزها -مهما اتسع اختصاصها عن الدولة- على أساس أن إختصاصات الأولى لا يمكن أن تصل الى مستوى اختصاصات الأخيرة وإلا انقلبت المنظمة الدولية إلى دولة. والمبرر الثاني هو اتخاذ المحكمة نظرية الاختصاصات الضمنية تكئة ومطية لتوسيع اختصاصات المنظمات الدولية، وذلك باستخراج تلك الاختصاصات من بطون الألفاظ الصريحة الواردة في القواعد الحاكمة لاختصاصات المنظمات الدولية. وتطرق المؤلف بعد ذلك إلى دفاع المحكمة عن شرعية تجاوز القرارات لطرق ممارسة الاختصاص المضمنة بالوثائق المنشئة للهياكل الدولية سواء لتبرير حلول هيكل دولى محل آخر دون نص صريح الممارسة المتزامنة لاختصاص واحد دون نص صريح. ومن الواضح أن الحالة الأول تبدو لأول وهلة أنها تشكل خروجا على قواعد الاختصاص، بينما الحالة الثانية يمكن أن تجد لها مبررا في القاعدة الأصولية التي تقرر أن «كل ما لم يتم النهي عنه صراحة فهو مباح» (أو قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة).

أما الجزء الثاني فقد خصصه الأستاذ الدكتور بوعون لمسألة «تقليص المحكمة لحالات عدم شرعية القرارات بتبسيط قواعد الإجراءات المنظمة للهياكل الدولية». ومن المعلوم أن قواعد الإجراءات تتحكم في مصير أي عمل قانوني يصدر عن المنظمات الدولية. فأي قرار دولى لابد وأن تتوافر فيه العناصر اللازمة لصحته، وهي تتلخص في شروط ثلاثة: موضوعية وشكلية وزمنية (أي اتخاذ القرار في وقت معين إن كان ثمة وقت لازم لاتخاذه).