التوجهات الحديثة للنظام القضائي في تونس

تبوأ القضاء في سياسة الدولة منذ تحول السابع من نوفمبر 1987 مكانة متميزة، وانطلقت هذه السياسة من الفلسفة التي إنبنى عليها بيان التغيير وهي إقامة دولة تعطي للقانون حرمته، وتولي للمؤسسات مكانتها.

وقد إختارت الدولة سبيل التدرج في تطوير التشريعات والقوانين لضمان مواكبتها للتطور الإقتصادي والإجتماعي والفكري وفي إدخال الإصلاحات الضرورية على قطاع القضاء، وهي الإصلاحات التي لمس المتقاضـون والمواطنـون آثارهـا في حياتهم اليوميـة أثنـاء إتصـالهم بمختلف المصالح والأجهزة التابعة للقضاء.

وتكمن أهميـة هـذا الكتاب في توقـف صـاحبه عنـد المحطـات الرئيسية للإنجازات الرائدة التي شهدها النظام القضائي في تـونس خلال الخمسة عشر سنة الماضية، وقد شملت هذه الإنجازات مختلف فروع القضاء وتركزت بالنسبة للقضاء العدلي خاصة على المنظومتين الجزائية والمدنية وعلى إدارة القضاء. ويبرز هذا الكتاب بالخصوص التوجهات والخصائص الإجرائية الحديثة للنظام القضائي وما تم تحقيقه من مجهودات لدعم استقلال القضاء وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وتدعيم آليات الحماية القضائية لحقوق الأفراد في مختلف مراحل التقاضي، وهي مجهودات تنبع من قناعة سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للقضاء بـأن "القضـاء هـو دعامـة للنظام الجمهـوري وضمان لحريات الأفراد ولأمن المجتمع واستقراره". ومن ميزات هذا العمـل أنـه يصلح لرجل القانون المتضلع في المادة القانونية كما يصلح للمواطن غير المختص الذي يتسنى له من خلال تصفحه وقراءته أن يتعرف على مختلف الجوانب المتعلقة بحياته اليومية لكي يقف على ما يوفره له التشريع التونسي الرائد من ضمانات وردت في الصكوك الدولية التي صادقت عليها تـونس، والتي استوعبها التشريع الوطني أحسن استيعاب. ولئن ركز الكتاب على الجوانب النظرية والتشريعية، فإنه لم يهمل الجوانب التطبيقية بحيث أن قارئه يدرك أن القوانين والتشريعات التي تم سنها إنما طبقت تطبيقا فعليا وأصبحت واقعا ملموسا يعيشه القاضي والمتقاضي على حد سواء فتحـول هكـذا النص القانوني إلى معطى اجتماعي يؤسس لثقافة جديدة هي ثقافة دولة القانون.