روح التربية والتعليم (الشيخ سيدي محمد الصادق الشطي الشريف)

صدر قانون إصلاح التعليم بالجامع الأعظم وفروعه في ذي الحجة الحرام لسنة 1351 الموافق لمارس 1933 والذي أمكن إعداده بعد جهود مضنية بذلت على مدى عقود طويلة منذ نهاية القرن التاسع عشر تهدف الى إصلاح المعهد العريق إلا أنها كلها باءت بالفشل بسبب ما كان يتعمده ممثل المقيم العام ضمن لجان الإصلاح من عرقلة لأشغالها تفضي في الغالب إلى إجهاض نتائجها وجاء هذا القانون في 252 فصلا يعكس اليقظة العلمية للتونسيين وقد ورد ضمن الفصول 226 و227 و228 ذكر لمادة علمية جديدة هي: صناعة التعليم.

وفي هذا دليل على اهتمام الجامع الأعظم بما كان في ظن البعض أنه حكر على المؤسسة التعليمية الاستعمارية انطلاقا من مدرسة ترشيح المعلمين سنة 1884 متناسين أن ترشيد الممارسة التربوية غاية رفع لواؤها مبكرا على أديم الأرض التونسية منذ العلامة عبد الرحمان ابن خلدون وأبي الحسن علي القابسي ومحمد ابن سحنون وهاهوذا تطبيقا للقانون الآنف الذكر الشيخ المنعم المبرور الصادق الشطي يجدد العهد فيقدم عبر هذا الأثر المبارك رؤية جادة لواقع أقسام التدريس في المرحلة الابتدائية جاعلا مدار الأمور فيها على «مافيه منفعة للمتعلمين تحقيقا للمصالح الفضلى للوطن والأمة». وتلك هي الرغبة المزدوجة لكل المصلحين الأوائل وهي اذا استقرت في صدر أي عامل قادته إلى السداد.

ومن خلال الأبواب الستين لكتابه أحاط الشيخ إحاطة الخبير الناصح بسائر مايهم التعليم المدرسي من حيث الإطار التنظيمي والاجتماعي النفسي مانحا لكل من الحقوق والواجبات ما يلزمها من الضبط والتوضيح ثم تناول مستوى الدراسة في مستوى المرحلة الابتدائية مفصلا فيها القول على نحو لا يختلف كثيرا عما هوسائد في خطاب السادة المديرين والمساعدين البيداغوجيين بالمدارس الابتدائية الحالية بل انه عند تطرقه إلى موضوع الامتحانات كان سابقا لزمانه حيث تطرق إلى موضوع "الكفاية" التي ينبغي أن يحصل عليها المتعلم من كل مادة وموجب ذلك تحقيق العدل وصلاح أحوال المجتمع فرغم مرور 70 عاما على آراء الشيخ إلا أنها لا تزال قابلة للرواج باستثناء ما تطرق إليه في موضوع العقاب البدني التي لم تعد التشريعات ولا الرأي العام السائد يقبل بها أو يجوزها وان جمعية قدماء وأحباء جامع الزيتونة تريد إحياء هذا الأثرالمبارك إنصافا لجهود المخلصين من العلماء وتذكيرا لمن نسي إسهام الزيتونيين في الاعتناء بشؤون التعليم المدرسي الذي هو أساس نهوض المجتمعات ورقيها خاصة بعد أن أصبح هذا المجال التربوي (تكوين المعلمين) موضوع تعاون دولي لاتكون نتائجه دائما في صالح الشعوب الضعيفة اقتصاديا.