إننا نميل إلى فهم "نبوة" المتنبي بمعنى قوة الإثارة في شعره وبمعنى وعيه الثاقب بأن الدولة على العروبة قد دالت وسحابة الإسلام قد حالت.... وبذلك يكون اتهامه بالدجل الديني . في مفهومه السطحي - وبادعاء النبوة - في معناه العامي البغيض - هو ضريبة وعيه المبكر وظنه أنه بإمكانه أن يفعل شيئا ... وإذ فشل ورأى جسامة المهمة ظل يبحث عن البطل العربي القادر الذي يكون له سلطان وجيش ويكون همه كهمه: إرجاع الدنيا إلى العرب...
والتقى بسيف الدولة كأقوى ما يكون اللقاء: سنا وفكرة ونظرة إلى العالم، فكان فيما هو يمدحه لا يمدح بقدر ما يصنع -بالشعر - صورة منشودة مرغوبا فيها طائرة في سماء القصيدة لآخر أبطال العروبة المهددة في وجودها واستمرارها ... وإن جانبا هاما مما يشغلنا في هذا الكتاب فني خالص إذ نحن نسعى فيه إلى التنبيه إلى ما يبدو لنا بارزا من أحداث أسلوب ومظاهر تفنن في شعر المتنبي محاولين ضبط ملامحها العامة، ما أمكن، والتمثيل بواسطتها على شعرية هذا الشاعر الفذ وعلى خصائص البرنامج الفني الذي جسم به خطة خطابه الشعري.