دعوى التعويض في حوادث المرور الطبعة الثانية

الأصل أن تقع المساواة والمماثلة بين الضرر والجزاء ، فبقدر طبيعة وحجم الضرر يكون الجزاء بالمثل ، وذلك هو العدل في معناه المكتمل والمثالي . ولكن المماثلة قد لا تتحقق ، فتقوم الحاجة إلى التعويض . فالأمر يبدو بسيطا بالنسبة إلى تنفيذ العقود وبالنسبة إلى الاعتداء على المكاسب ، ولكن الأمر فيه قول بالنسبة إلى الاعتداء على جسد الإنسان . فالأغلب أن لا تتحقق المماثلة . ويكون التنفيذ غالبا بالتعويض . وذلك هو حال التعويض في حوادث المرور . وليس التعويض في حوادث المرور إلا مسألة حديثة أفرزتها مقتضيات الحياة المعاصرة . وكان الاعتقاد سائدا أن لا تعويض بدون خطأ وظل الفقه والقضاء يبحثان عن معاني الخطأ لتبرير التعويض ، ثم سرعان ما تبين ضعف التوجه إذ الأصح أن التعويض مرجعه الضرر وليس للخطأ جزء ذلك . وانتهت التطبيقات المعاصرة إلى اعتبار التعويض مسألة اجتماعية يتبين من خلالها مظاهر التآزر والتكافل بين أفراد المجتمع . فلا بد من سند يتكئ عليه المتضرر لمجابهة الصعويات وقد تضرر ضررا فادحا . وفعلا أخذ الفقه وفقه القضاء في تونس وفي غيرها من البلدان بالمذهب بالرغم من صعوبة البناء وادعى أخيرا القانون عدد 86 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 المتعلق بإضافة عنوان خامس لمجلة التأمين تحت عنوان «تأمين المسؤولية المدنية الناتجة عن استعمال العربات البرية ذات محرك ونظام التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأشخاص في حوادث المرور» أنه أخذ بنفس المسار . ورغم محاسن هذا التشريع الحديث في بعض أحكامه فقد انتهى الأمر إلى غموض المعاني وتناقض الاتجاهات فقه وقضاء ، وربما أتى الوقت لمراجعة أحكامه . وتجدون في هذا الكتاب ذكر للقواعد العامة في دعوى التعويض ودراسة لتطور معانيه عبر العصور مع التركيز على خصوصية التطور الحاصل في مجال البحث وشرح مفصل لدواعي القانون عدد 86 لسنة 2005 ومضامينه حسنا وخللا ، مع إبراز جانب من تطبيقاته وتجدون في النهاية كامل النصوص القانونية المتعلقة بالتعويض وأهم القرارات التعقيبية الصادرة في الغرض. وأملي أن يكون لهذا الكتاب فائدة في التماسكم للحقيقة.