لقد انتقلنا من غياب الدولة في ظل القبيلة العربية والبداوة السياسية لما قبل الإسلام إلى وجود سلطة سياسية منظَمة ومجال سياسي متمايز عن المقدّس ولكن غير مستقل عنه في ظلّ الخلافة الراشدة. فكان بين المجال الديني والمجال السياسي تمايزٌ موصول. وفي دولة المُلك السياسي "اعصوصبت السلطة" برجوع العصبية القبلية كمحدّد لاشعوري للقيم السياسية، وعلى مستوى الوعي السياسي انتحلت الدولة السلطانية القيم الساسانية وأنتجت معرفة وقيم سلطوية تدجّن الأمة انطلاقا من النص، فجرى تسييس المقدّس. أخيرًا تمت في الدولة الوطنية "دهرنة السياسة ودنيوتها" لننتهي إلى شرعية المنفعة و"اللاهوت"(إضافة) العلماني اللذان (وليس التي) تصنع فيهما السلطة شرعيتها. مرّت الدولة إذن من دولة "الشرعية السياسية" إلى دولة "السياسة الشرعية"ثم(إضافة) إلى دولة "الشرعية الوضعية".

...إن الدولة الوطنية المعاصرة التي أعلنت تخليص المجال السياسي من المقدّس لم تفعل سوى استبدال المقدّس الديني بآخر علماني، لتصبح العقلانية الوضعية مرجعية مطلقةً بدل أن تكون فعالية وصيرورة بناء. وبقيت هذه الدولة المعاصرة ممزقة بين نمط الدولة التاريخية السلطانية حيث الدور الأول لكاريزما الحاكم الفردي،وبين نمط بيروقراطي عقلاني مستورد. ولا يمكن للعقل السياسي الإسلامي أن يخرج من هذه الثنائية ليبني نموذجه الحضاري وتصوره المستقلّ للشرعية السياسية إلا بالتحرر من ثقل التاريخ ومن التمسّك بالاجتهادات والممارسات السياسية التاريخية التي كوّنت "طبقات جيولوجية" تغطي النص والمقاصد الشرعية. ذلك أن التراث السياسي ما هو إلا اجتهادات تاريخية لأصحابها في زمنهم، لهذا فان تقديسها يكوّن عائقًا يحول بين العقل السياسي والقيم الإسلامية المطلقة.

نزار الحمروني
9789938601336
50 عناصر

البيانات

عدد الصفحات
247
الحجم
23.5*15.5
الوزن
0.390 كغ
سنة النشر
2022
دار النشر
مؤسسة الأطرش للتوزيع - GLD

تحميل

الفهرس

فهرس شرعية السلطة السياسية بين الديني والمدني

تحميل (197.86k)

قد يعجبك ايضا

مختارات من الكتب ضمن مركز الاهتمام المطلوب
التوصيل مؤمن

التوصيل مؤمن مع شركة أرامكس

الإرجاع المجاني

الإرجاع مجاني في حالة خلل بالكتاب في غضون 30 يوم

التسليم داخل تونس

مواعيد التسليم : من 24 إلى 48 ساعة

التسليم خارج تونس

مواعيد التسليم : أسبوع كأقصى تقدير