ابن سينا التخييل والشعر والنبوة

أدرك الباحثون المعاصرون في الفلسفة العربية الإسلامية ما كان المفكرون القدامى أدركوه من قبل، وهو المنعرج منقطع النظير الذي أحدثه ابن سينا فيها والذي لم يعد من الممكن بعده أن يعود الفكر الإسلامي إلى ما كان عليه قبله. ويستوى في ذلك الشأن الفكر الديني والفكر الفلسفي بعلومه المنطقية والطبيعية والرياضية والإلهية والعملية. وهو ما انفتح معه مجال رحب أمام الباحثين في الفلسفة السينوية. ومن المسائل التي تلتقي فيه هذه العلوم مسألة التخييل الذي على أساسه يقام الفهم الفلسفي للشعر وللنبوة. وقد أفردت لها دراسات هامة ومنها هذا الكتاب الذي سعت فيه صاحبته، وهذه فرضيتها في هذه الأطروحة، إلى تجاوز المعتاد من تأكيد ربط التخييل بالقول في الشعر وإلى توسيع المفهوم ليحمل وظائف عديدة في كثير من قطاعات الفلسفة. وهذا يعد من إضافات هذه الأطروحة إلى البحوث السابقة، خاصة باعتماد فرضية الجمع بين الشعر والنبوة، من حيث هيئة الخطاب الخارجية على مستوى الصورة، ومن حيث اشتراك النبوة والشعر المطلق على مستوى المضمون. أما في النبوة، فبقوة التخييل ذاتها يتلقى النبي ما يبلغه عن ربه وحيا، ويقبل عنه من تبلغهم رسالته مضامينها، فيصدقون بها ويعملون بتشريعاتها، سعيا منهم نحو الأفضل. أما في الشعر، فيتجاوز السلب المتصل بالتخييل الشعري وذلك بتغيير شروط تحصيله النظرية. ويضاف إلى ذلك أمر ثالث أساسي وهي وظيفة التخييل في العرفان، إذ بهذه القوة ينتقل العارف في مشاهدته من مستوى ما ينتقش من الصور إلى ما يتحقق بها، فينفرد ببلوغ حال السعادة والحكمة الذوقية. وبذلك نقف على وحدة الحقيقة مع تنوع طرائقها من برهان ووحي وذوق.

وهذا العمل ثمرة ما بذلت الأستاذة من جهد في التصدي لنسق من أهم الأنساق الفلسفية ومن أصعبها على الفهم، والتصدي داخله لمسألة من أهم مسائل الفلسفة. وبقدر ما يتسم هذا العمل بالجدية يتسم بالطرافة، وبه تستحق الأستاذة سعاد الجويني مكانتها من بين الباحثين الآن في فلسفة ابن سينا، وتوفر بلسان عربي دراسة من مستوى عالمي. تقديم: مقداد عرفة منسية، أستاذ متميز، جامعة تونس، عضو المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون.