جرائم التوظيف الجنسي للقاصرات

ما يتركه الإنسان من أفكار في حياته، يتردد وقعه حتما إلى الأبد. تعبَ الكلمات المتقدمة عن القيمة العلمية لهذا الكتاب الذي يمثل حصيلة مجهود فكري متواصل ومضنٍ في سبيل التعمق في مسألة مثلت ولا تزال ظاهرة  إجرامية خطيرة تهدد السلامة القِيمية للمجتمعات، وإنَه ليُسعدني اليوم أن أتولى التقديم له على خلفية مشاعر الارتياح والفخر لما ورد بمضمونه من أفكار ستُبقي اسم صاحبها مترددا في الأوساط القانونية والقضائية لعدّة سنوات مقبلة اعتبارا لجودة البحث وتميُّزه بالدقة والتفصيل، فلا غرابة حينئذ أن يمثل هذا الكتاب عملا قانونيا متكاملا يأتي في سياق تعزيز الرصيد النظري للمكتبة القانونيّة التونسيّة من المؤلفات المختصة في الموضوع، ولا غرابة أيضا أن يكون محل إعجاب الكافة بعد أن استقطب الاهتمام والتثمين أمام لجنة مناقشة قامت بتقييمه موضوعيا وتولت إسناده ملاحظة مشرّفة للغاية تأصيلا لثرائه وقيمته العلمية.

إنَّ التوظيف الجنسي للقاصرات يتّفق في النهاية مع معاني «قتل البراءة»، فهو عمل بربري، جبان ومنحط يعكس وحشية وحيوانية القائم به وانعدام مشاعر الإنسانية لديه وتهافت حظه من القيم التربوية والأخلاقية. إنَّه لا  يقل خطورة وبشاعة عن جرائم القانون الدولي على غرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بل إنني أعتبره شخصيا جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للسقوط بمرور الزمن، بوصفه يتأسس على معطى الاستعباد والاتجار بالبشر ونظرا لكونه يستهدف شريحة عمريّة واجتماعيّة تكون عُرْفًا في وضع عجز موضوعي عن التحكم في مصيرها، فالتوظيف يرمي إلى استخدام الطفولة كأداة لتحقيق الربح الرخيص وتحويل الكائن البشري الذي هو محل تكريم من الديانات السماوية وحماية قانونية من القوانين الوضعية، وبسبب حالة الضعف وفقدان السند، إلى مصدر للتّمعّش والكسب المبتذل للمال.

وموجز القول مما سبق، أنَّ العمل الإجرامي المعني يُعدُّ، للدواعي السابقة، من أحط السلوكيات الإجرامية التي تعكس نوعا من الشذوذ والاضطراب النفسي المستند إلى وجود رغبة مرضية في السيطرة العدوانية والسادية على من هو أضعف، من ثمّ، كان لزاما تسليط الأضواء على الموضوع ودراسة كيفية تعاطي المشرّع مع الظاهرة ومعرفة حيثيات تنظيمه للمسألة من زاوية القانون الجزائي، ولقد أفلح الكاتب في تعاطيه مع الموضوع وفي إنارة القارئ حول جزئيات وتفاصيل تجريم أفعال التوظيف والمعاقبة عنها.