تعتبر الدعوى المدنية الوسيلة الإجرائية لتكريس الحقوق الذاتية موضوع القواعد القانونية عندما يقع النزاع فيها، وعليه لا تثبت هذه الحقوق إلا عندما يقع الفصل فيها قضائيا من خلال إجراءات الدعوى المدنية. وتبرز بالتالي أهمية دراسة نظرية الدعوى المدنية كمكمل حتمي لنظرية الحق في القانون المدني. والدعوى المدنية بوصفها قدرة على المطالبة القضائية بحق ذاتي تعتبر الوجه الإجرائي لهذا الحق الذي يكون في حالة حركية أو حالة تنازعية إلى أن يستقر نهائيا بالفصل في الخصومة القضائية أو انقضائها. ولئن كان الهدف من الدعوى المدنية هو المطالبة بحق والاعتراف القضائي بسلطة صاحبه على موضوعه قطعا للنزاع، إلا أن الفصل فيه وتكريسه عمليا يعتمد على الالتزام بالكثير من الضوابط والشكليات التي تمثل في مجملها النظام القانوني للدعوى المدنية. هذه الضوابط، سواء أكانت قواعد إجرائية أو مبادئ توجيهية للنزاع المدني ما زالت تغذي الجدل القضائي والفقهي نظرا للإشكالات العملية والنظرية التي تطرحها على ضوء حركية وتطوّر النزاع المدني. وتتعلق جملة هذه الإشكالات بكل من النظام القانوني للدعوى المدنية وعناصرها المتمثلة في موضوع الدعوى وسببها وأطرافها، وهي إشكالات متعددة يصعب حصرها نظرا لتطورها الدائم. والمتأمل في جملة الأحكام المكونة للنظام القانوني للدعوى المدنية في مجلة المرافعات المدنية والتجارية
يلاحظ إيجاز هذه الأحكام في وقت تطوّرت فيه أشكال النزاع المدني ومعطياته الواقعية والقانونية. ولئن أمكن تجاوز هذه النقائص قضائيا بالاجتهاد على ضوء المبادئ التوجيهية للنزاع المدني إلا أن هذه المبادئ حمالة أوجه في بعض الأحيان وقد لا يستقر معها فقه القضاء. وبناء على هذه المعطيات يهدف هذا الكتاب إلى دراسة محتوى الدعوى المدنية ونظامها القانوني وما يستتبعه من مشاكل قانونية يتطلب حلها في الآن نفسه العمل على تأصيلها ضمن النظرية العامة للنزاع المدني وموازنتها بين الثابت والمتغير في النزاع المدنى.