النزاع الشغلي الجماعي

دأب رجال القانون على توجيه نظرهم والتفرغ في عملهم لتناول طرق تسوية النزاع الشغلي الجماعي بالبحث والتحليل دون الخوض في مفهوم هذا المصطلح. 

 وبالعودة إلى مجلة الشغل نلاحظ أن المشرع بدوره قد تعرض بإسهاب إلى طرق تسوية هذا الصنف من النزاعات. دون  تعريفه، وقد شكل هذا الفراغ التشريعي صعوبات عملية نظرا لعدم وضوح الحدود الفاصلة بين النزاع الشغلي الجماعي ومصطلح آخر يشبهه وهو النزاع الشغلي الفردي. 

 وتكمن الصعوبة الحقيقية في تعيين عناصر المفهوم أو على الأقل العنصر الأساس في المفهوم حتى نحصل على تعريف جوهري إيجابي لمصطلح فيكون قابلا للتعامل معه في نزاعات خطيرة تطرح على القضاء التونسي باعداد كبيرة.

إلا أن ضبط المعايير المحددة للنزاع الجماعي ليس بالأمر الهين سيما وأن المسألة تحتاج لا فقط إلى نظرة واسعة وشاملة للنزاعات الشغلية، بل أعمق من ذلك خاصة إذا علمنا أن النزاعات الشغلية عادة ما تتحول وتختلف مسايرة في ذلك بتطور المؤسسات واختلاف أشكالها، باعتبار وأن قانون الشغل بصفة عامة عبارة عن تجاذبات وتوازنات غير مستقرة ومتغيرة تنشد أهدافا متعارضة.

 ولحصر هذا المفهوم، كان لا بد من الرجوع إلى فقه القضاء والبحث في مجمل القرارات الصادرة عنه طيلة ربع قرن (1997 - 2022) وتحليلها بعمق حتى نتبين توجه محاكم الأصل وخاصة محكمة القانون وكيفية تعاملها مع المسألة. 

ويمكن أن نستخلص أن تضامن المصالح المهنية هو المعيار الحصري الذي يساعدنا على تكييف النزاع الشغلي الجماعي دون الحاجة إلى البحث عن معايير أخرى سطحية قد توقعنا في خلط.

ومن جهة أخرى فإنه لا يمكن تصور مفهوم شامل للنزاع الشغلي الجماعي بمعزل عن الفصول اللاحقة للفصل 376 من مجلة الشغل والتي ذكر فيها طور المصالحة والتحكيم.

لذلك فقد وقعت دراسة طرق تسوية النزاع الجماعي بطريقة مختلفة عما هو موجود في أغلب الدراسات الفقهية أي بعيدا عن القراءة الكلاسيكية القائمة على إعادة نقل سطحي لما ورد صلب الفصول القانونية، وقد ارتأينا البحث عن واقع التفاوض لنخلص أن التحكيم في المادة الشغلية لم يلق ترحابا من الأطراف المتنازعة وبقي إلى اليوم نظاما مهجورا، في المقابل بقي نظام تسوية النزاع الشغلي الجماعي في بلادنا منحصرا على المصالحة التي تؤدي خدمات جليلة  لكنها لا تكفي وحدها.